من الصعب أن تندثر صناعة الفخار في السودان فهي صناعة ضد عوادي الزمن وما يزال الناس يستعملون منتجاتها في حياتهم اليومية كجزء من الحاجة الحقيقية والتقاليد الأصلية فالكثير من الناس لا يستبدلون طعم الماء البارد في الأزيار بمبردات المياه الكهربائية وآخرون لا يحلو لهم طعم القهوة إلا إذا شربوها من جبنة ( الطين ) هذا بالإضافة إلى سر آخر عجيب أن هناك إرتباطاً وجدانياً بين الإنسان والفخار فكلاهما من ماء وطين .
أما عن كيفية مكونات الفخار وكيف تتم تشكيله حيث معروف أن المكون الأساسي للفخار هو طين البحر وهو يصنف على أربعة أصناف وهي ( البلطي ) والذي تعرف أيضاً ( بالكوك ) و ( الزافوتي ) و( المقر ) و ( القرير ) وهو من أجود أنواع التربة. هذه الأصناف الأربعة تتباين في جودتها حسب فصول السنة وبعد إختيار نوع الطين وفرزه تبدأ عملية الغربلة لتنقية الطين من أية رواسب أو مواد متحجرة في حوض كبير ويصب فيه الماء حتى اليوم التالي الذي يتم فيه وضع ( العجنة ) في الأرض، وتتم عملية العجن بالأيدي والأرجل حتى تصل إلى درجة تماسك معينة ومناسبة. وبعد ذلك يتم نقل العجينة على فني التصنيع الذي يلقب ( بالمعلم ) فيقوم بتشكيل المادة المعجونة على دولاب دوار مخصص لهذا الغرض يدوي، ثم تقطيع الطين وتشكيله حسب الطلب: أزيار أو أصص زهور أو معدات قهوة. ومن ثم يوضع المنتج في الشمس للتجفيف وفي هذه الأثناء تتم عملية الزخرفة على أصص الزهور و( الجبنات ) فيما تسمى بـ ( الفستون ).
وتبدأ عملية الحرق وهي على فرن على شكل غرفة مربعة أو دائرية مساحتها 3 x 3 أمتار وأهم ما فيها ( الشواريق ) لتوزيع الحرارة كما هو الحال في عيون البوتجاز ويكون الحرق على حسب الشكل ولا بد لمن يقوم بها أن يكون على دراية تامة وكفاءة عالية لأن هذه المرحلة تحتاج إلى حرص بالغ، فأي نسبة أقل أو أكثر من الحرارة المطلوبة ستقود إلى بعض المشاكل التي تؤثر على جودة المنتج أو تتسبب في تحطيمة. أما عن أبرز ما يصنع من الفخار في كمائن أمدرمان وأنواعها فهي الأزيار في المقام الأول والأصص الخاصة بالزهور وهناك ( الصواني ) الفخارية و ( الجبنات ) وأبريق الوضوء المعروفة بإسم ( الركوة ) والمباخر والبراويز وطوب البناء بالإضافة إلى آلة الإيقاع المشهورة ( الدلوكة ) و( قلال ) الماء ونوافير الماء وأنية الطهي الشعبي المعروف ( البرمة ) ( تستخدم أيضاً لشرب المريسة ) أما عن قسم الخزف في كلية الفنون الجميلة فهناك تعاون مثمر بين صناع الفخار التقليديين والأكاديميين من خريجي الفنون ( قسم خزف ) حيث يمتلكون خبرة عملية وعلمية وتبادل الرأي.
والخريجون لهم إضافات حقيقة لهذه المهنة ورفع الوعي الجمالي وهذا ما يلاحظه العامة من السودانيين في الصنعة المتقنة والذوق الرفيع الذي بدأ يظهر على المنتجات الفخارية وزاد من حجم الإقبال عليها وإعطائها الطابع الحديث الذي نفتخر به. أما في كلية الفنون الجميلة فالفضل يعود للبروفيسر وصيف الذي بدأ فكرة إنشاء قسم الخزف فيها وقد أثبت كثير من الخريجين وجودها محلياً وعالمياً ومن أشهرهم الخزاف صديق النجومي الذي طبقت شهرته وقد أقام الكثير من المعارض محلياً وعالمياً ولكننا نلاحظ أن مستوى الفخار في السودان تدنى كثيراً مقارنة بالماضي ويرجع ذلك لعوامل كثيرة منها قلة الإمكانيات إضافة للجانب التربوي وهذا ما جعل صناعة الخزف في السودان في تراجع مقابل تطور دائم على المستوى الخارجي. وعن الفرق بين الخزاف الأكاديمي وغير الأكاديمي الذي يعتمد على الموهبة الفطرية، حيث الخزاف الدارس يتمتع بوعي جمالي أعلى ومعرفته للنسب والتناسب ولديه الخبرة المتراكمة ولديه القدرة على الإبتكار. أما الذي يعتمد على الموهبة والفطرة لا يكون لديه الخلق والإبتكار بقدر ما يكون أقرب إلى الماكينة التي تنسخ وتكرر العمل بدون جودة حتى لو إمتد به العمر مئات السنين.